
بقلم / د. عبد العظيم حسن المحامي
(مستشار قانوني)
الحزب السياسي هو جماعة من الأشخاص يجمعهم برنامج محدد، ويسعون من خلال الدعوة إليه إلى الوصول للسلطة لتطبيقه أو التأثير في القرار السياسي. وفي المقابل، تقوم النقابة أو الاتحاد المهني على توافق أصحاب مهنة أو عمل للدفاع عن مصالح العضوية وتنظيم أنشطتهم المشتركة. في السودان، وبسبب أن نشأة الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية لم تكن طبيعية، فقد فشل الطرفان في تحقيق أغراضهما الأساسية كأدوات للتجمع والتنظيم، كما عجزا عن القيام بأدوارهما المفترضة في ترسيخ الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
إذا أخذنا نقابة المحامين السودانيين نموذجاً للدراسة والتحليل، نجد أن القصد من إنشائها لم يكن حصراً لأغراض الدفاع عن حقوق ومصالح عضويتها، بل مد سلطانها ليشمل التقرير في حق ممارسة المهنة نفسها. تاريخياً لم تُمنح هذه السلطة الاستثنائية عبثاً، وإنما وسيلة تدخل في شؤون المهنة، وليس أدل على ذلك من أن رئيس القضاء، وحتى وقت قريب، كان هو من يتولى رئاسة لجنة قبول المحامين وليس نقيبهم. في التجارب المقارنة، فإن مجالس ولجان تنظيم المهن الطبية والهندسية والقانونية تنشأ بموجب قانون، وتُعتبر سلطات عامة مستقلة، وذلك منعاً لأي ازدواجية بين ممارسة المهنة باعتبارها حقاً أصيلاً، وبين العمل النقابي بوصفه نشاطاً اختيارياً.
لقد أسهمت التجربة السياسية السودانية، وما شابها من غياب الممارسة الديمقراطية، ليس فقط في عزوف السودانيين عن الانخراط في العمل العام بصورة مؤثرة، بل انعكس أثر ذلك أيضاً على النقابات، التي ما تزال مقاعدها تُدار في إطار تنافس قائمتي اليمين واليسار. هذا الواقع المختل لم يُفشل التجربة النقابية في جوهرها، لكنه أوجد حالة من تضارب المصالح بين قواعد المهنة وحقوقهم وتطلعاتهم، وبين ما تسعى إليه القيادات المتصارعة على المقاعد النقابية لأغراض سياسية. من المؤكد أن واقع العملين السياسي والنقابي بعد حرب الخامس عشر من أبريل لن يكون كما كان قبلها. بالمقال القادم سنواصل في تناول وسائل فك هذا الاشتباك بما يضمن ممارسة حقيقية لحرية التنظيم والعمل النقابي.