مقالات الرأي

زيارة الناظر صلاح المنصور، بين جبر الخواطر والبداية جديدة

فايف دبليوز سيرفس

بقلم/ عبد الجبار المبارك احمد

في زيارة غير معلنة اتسمت بالتواضع والإحساس العميق بالمسؤولية، قام الناظر صلاح المنصور العجب، ناظر قبائل رفاعة شرق، بزيارة مفاجئة إلى عدد من قرى جنوب الدندر، وذلك برفقة وفد من قيادات قوات الكرامة، تضامنًا مع الأهالي الذين عاشوا محنة قاسية جراء اعتداءات الميليشيات المتمردة.
راعت الزيارة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة، فجاءت خالية من أي مظاهر رسمية أو أعباء ضيافة قد تُثقل كاهل المواطنين البسطاء. وشملت الجولة قرى شراشرا، هبوية، أب رجب، أبو هشيم، السنجراب، وختامًا بقرية بيضاء، التي كانت الوحيدة التي علمت بالزيارة مسبقًا، فأعدّ أهلها استقبالًا كبيرًا للناظر ووفده، تجسيدًا لروح الكرم وصدق المشاعر.
استُقبل الناظر بحفاوة بالغة في بيضاء، حيث اصطفت جموع الشباب لاستقباله بحرارة، مفتوحين له القلوب والصدور، ومتجاوزين مرارة الماضي لصالح مستقبل أكثر تماسكًا.
لكن الاستقبال لم يكن مجرد ترحيب، بل تبعته خطوات عملية شملت دعمًا مباشرًا لمرافق حيوية في القرية. فقد تبرع الناظر بمعدات طبية لمركز صحي بيضاء، تمثلت في طربيزة عمليات، كما تبرع لبئر المياه بطلمبة جديدة، ووعد بتقديم الدعم الكامل لتسليح القوة الأمنية المتواجدة داخل القرية، وقد بدأ تنفيذ بعض هذه الالتزامات على أرض الواقع، بينما وُعد بتنفيذ البقية في القريب العاجل.
ومن الجوانب التي لاقت استحسانًا واسعًا أيضًا، تأكيد الناظر صلاح العجب وقوفه إلى جانب الطلاب المتفوقين والنوابغ من أبناء القرية في مسيرتهم التعليمية، سواء بالدعم المعنوي أو بالمساعدة في فرص التعليم والتأهيل. وقد اعتبر الأهالي هذا الموقف امتدادًا طيبًا لتاريخ الأسرة في دعم التعليم والخدمات بالمنطقة.
كما شملت الزيارة تفقد أسر الشهداء وما دمرته الميليشيا، حيث قدم الناظر دعمًا من المواد الغذائية لتلك الأسر، في بادرة لاقت تقديرًا كبيرًا من الأهالي.
ورغم حرارة الترحيب، لم تخلُ الزيارة من نبرة العتاب، فقد عبّر بعض الأطراف عن عدم ارتياحهم لغياب الناظر عن الوقوف إلى جانبهم في أصعب لحظات الحرب، حين كانت القرى تواجه النكبات وتحتاج إلى رمزها التقليدي والقبلي أكثر من أي وقت مضى.
ذلك العتب لم يكن موقفًا معاديًا بقدر ما كان صرخة وجدانية نابعة من شعور الخذلان ، قابلها الناظر بالصمت الحكيم، وهو يدرك أن لكل مرحلة ظروفها وتعقيداتها، وأن جبر الخواطر أحيانًا يكون أبلغ من تبرير المواقف.
جبر الخواطر.. موقف لا يُنسى
زيارة الناظر، رغم كل شيء، اعتُبرت بداية جديدة لعلاقة تقوم على إدراك عميق لمتغيرات الواقع وتحديات المرحلة، وقد أكدت ذلك كلمات أهالي بيضاء وشبابها الذين أبدوا قدرًا كبيرًا من النضج والواقعية، مستوعبين
أن اللحمة الاجتماعية والرمزية لا تُقاس بلحظة، وإنما بالتاريخ والمواقف المتراكمة.
وفي هذا السياق، أعادت الزيارة إلى الأذهان ما قدمته أسرة المنصور العجب لقرية بيضاء في فترات سابقة، خاصة في ملف الخدمات الأساسية. فقد كان لأشقاء الناظر، وعلى رأسهم الرائد حسن المنصور العجب، قائد قوات الكرامة، والأستاذة غادة المنصور العجب، دور بارز في حل أزمة مياه القرية، من خلال التبرع بمنظومة طاقة شمسية كاملة، وعدد من ألواح الطاقة الشمسية لمركز صحي بيضاء، وهي مشاريع لا تزال آثارها الإيجابية ملموسة حتى اليوم.

ورغم أن بعض أبناء القرية ومنهم شخصي الضعيف لم نعلم بالزيارة إلا في اللحظات الأخيرة، و لم نتمكن من الحضور بسبب التواجد خارج القرية، إلا أن ما أنجزه شباب بيضاء من استقبال يليق بالمقام، شكّل لوحة اجتماعية تعبر عن وعي متجذر بقيمة الرمز، حتى حين الغياب
إن هذه الزيارة تُشكل محطة مهمة في إعادة الثقة بين القيادة التقليدية والأهالي، وفرصة لإعادة بناء العلاقة على أساس جديد من الصراحة، والتقدير المتبادل، وتحمل المسؤولية. العتاب الصادق، حين يقترن بالاحترام والتقدير، قد يكون أعظم وسيلة لجبر الخاطر، وهو ما حدث في قرية بيضاء.
لعل الرسالة الأبلغ التي خرج بها الجميع من هذه الزيارة أن القيادة ليست حضورًا دائمًا، بل قدرة على احتواء الجراح عندما تحين الفرصة. وأن من أراد أن يُصلح، فباب القلوب لا يُغلق أبدًا أمام من يعود إليه صادق النية، نقي الطوية.
#شكرا_بيضاء
#شكرا—الناظر

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى