بقلم / الطيب الصاوي أبو عمر الجبلابي
(محامي وباحث في التراث الشعبي)
: بالرجوع للتاريخ والذي لا ينكره ولا يجهله الا من في عينه رمد او مكابر او منافق لا يريد ان يقول كلمة الحق في العام ١٩٨٩م فترة الديمقراطية الثالثة التي اتاحت للسودان ولأول مرة انتخابات حرة نزيهة فاز فيها حزب الأمة القومي بزعامة الامام السيد الصادق المهدي عليه رحمة الله بالاغلبية المطلقة وفي ظرف هذه الانتخابات زار الدكتور حسن الترابي لأول مرة الدندر في العام ١٩٨٧م في الجولات التي سبقت الانتخابات لتقديم برنامج الحزب وقتها ( الجبهة الإسلامية القومية ) وقتها نحن في المرحلة الثانوية وتم اعداد ملتقى جامع له في ميدان الحرية الذي اكل الدهر أهم ملامحه الآن وكان يسود الدندر في ذلك الوقت ادب الحوار السياسي واحترام الرأى الآخر وفي ذلك الوقت كان عدد الاسلاميين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ويمثلهم في الدندر الرجل القامة العلامة مولانا محمد احمد راقي عليه رحمة الله ولكن الاستقبال الذي وجده الترابى ليس من الاسلاميين فقط بل من كل أطياف الشعب السوداني متمثل في اهل الدندر لسماع الطرح والرأي الآخر والاختلاف في الرأى، بالطبع لا يفسد للود قضية.. وكان هنالك طيف كبير من اهل الدندر قدم من الريف لا لغرض مبايعة الترابي وطرحه والتعاطف معه بل حب استطلاع ومن أجل رؤية الدكتور الترابي لذلك تزاحم اهل الدندر وانا شاهد على ذلك قبل ان يصبح الاسلاميون في الدندر اسلاميين كما قال الشاعر ( قبل ان يصبح العشاق عشاقا )..
كان في ذلك الوقت يسود ادب الاختلاف السياسي، وقد تمت الانتخابات الحرة النزيهة التي قال الشعب السوداني فيها كلمته وهو يتحمل المسؤولية عنها ..
ونحن في السنة الدراسية الثانية بكلية الحقوق كان استاذنا الدكتور القامة رجل لماح ومتخصص في القانون الدستوري وهو الدكتور أحمد شوقي محمود، الله يمد في عمره على طاعته ان كان حيا ويرحمه ويغفر له ان كان ميتا كان الكتاب يحمل ( الديمقراطية الثالثة في السودان السلبيات والاجابيات ) كان كتاب شامل كامل يحكي عن فهم الشعب السوداني للديمقراطية وأدب الخلاف السياسي فازت الجبهة الإسلامية القومية ببعض مقاعد الخريجين ولم يكن لهم حظ بالفوز ولو بجزء من الدوائر الانتخابية في داخل السودان ولقد سقط الدكتور الترابي في دائرته… من هنا نما الى علم الجبهة الإسلامية القومية انها لا يمكن ان تصل الى السلطة في السودان الا محمولة على رافعة قوات الشعب المسلحة وقد سعوا الى ذلك بشتى الوسائل وقطعوا الطريق أمام السلام في اتفاقية الميرغني قرنق الشهيرة التي كانت سوف تنهي الحرب وتجلب السلام بدون انفصال الجنوب وايضا قطعوا الخط أمام الديمقراطية الثالثة وحدث انقلابهم الشهير على حكومة الديمقراطية وحكومة الشعب المنتخبة في العام ١٩٨٩م بدا نظامهم ( اذهب انت الى القصر رئيسا وساذهب أنا الى السجن حبيسا ) وشاهد على العصر خير دليل وشهد شاهد من أهلها ومؤسسها الدكتور عبد الله الترابي واخيرا تنكروا له وغدروا به وهو صانعهم ومؤسسهم ومن ليس له خير في ابيه ليس فيه خيرا لعامة الناس ولولا دكتور الترابي لما وجد هذا الفكر في السودان اصلا ( لولا دمشق لما كانت طليطة ولا زهت ببني العباس بغدان ) ولقد تحفظ كل العالم على انقلابهم في بداية الامر وهم أنفسهم اخفوا توجههم الحقيقي لفترة من الزمن وخدعوا العالم ولكن سرعان ما انكشف أمرهم وتحرك ضدهم الضباط الاحرار في ١٩٩٠م ولكي يثبت النظام بطشه وقوته قام باعدام هؤلاء النفر من خيرت ابناء القوات المسلحة وهي أول جريمة مكتملة الأركان في عهد نظام الإنقاذ واستمر البطش بالخصوم بغرض تثبيت أركان النظام وكذلك جريمة إعدام مجدي محجوب وجرجس وكذلك مقتل دكتور علي فضل نقيب الأطباء وقتها وكذلك مقتل المعلم احمد الخير وقبلهم جميعا مقتل طلاب جامعة الخرطوم وعلى رأسهم ابنة الدندر الشهيدة التاية ابوعاقلة الطريفي ابنة قرية نور الجليل وكذلك الشهيد أبوبكر سليم ورفاقهم واستمر مسلسل الاغتيالات والاخفاء القسري لكل من خالفهم الرأي… ومن هنا بدا عدم احترام الرأي الاخر والضيق به وظهر تكميم الافواه ونظرية الغاية تبرر الوسيلة وفرق تسد وسياسة شق الأحزاب وزراعة الفتنة بينها حتى ان في آخر انتخابات عملوا على شق البيت الواحد حيث ترشح عمنا احمد المنصور العجب عليه رحمة الله ضد عمنا الدكتور منصور يوسف العجب امد الله في عمره وقد فاز دكتور منصور في انتخابات الديمقراطية الثالثة الدائر الجغرافية 113 الدندر الفائز دكتور منصور يوسف العجب ولكن في انتخابات النظام البائد مع عدم النزاهة والشفافية سقط دكتور منصور يوسف العجب في دائر الدندر الرجل الذي نقل الدندر الى العالمية في فترة الديمقراطية الثالثة سوف نواصل سلسلة المجهر على تاريخ النظام البائد والديمقراطية الثالثة اذا كان في العمر بقية اترككم في رعاية الله وحفظه..