مقالات الرأي

طموحُ سناء لجَعلِ المحالِ مُمكنا

فايف دبليوز سيرفس

بقلم / أيوب صديق

(خبير إعلامي- مذيع B.B.C الأسبق)

أرسل إلي أحد الإخوة يقول : قالت الإسلامية الأستاذة سناء حمد قولاً انقسمت حوله الآراء، وهي تدعو إلى إقامة تحالف بين الحزب الشيوعي والإسلاميين، وهو قول يبدو لنا غريبًا، ولذا نتوقع معرفة رأيك فيه، وأن نراه منشورا مثل رأيها.
هذا ما قاله لي ذلك الأخ الكريم. وفي واقع الأمر فقد اطلعتُ على ذلك القول للأستاذة سناء حمد، وكذلك على بعض التعقيبات عليه، ووجدتُ بادئ الرأي في نفسي عزوفـًا عن إبداء رأي فيه بسبب مما بدا لي فيه من استحالة تحقيق ما ترمى إليه. إذ التحالفُ يتم عادة بين طرفين ليس بينها تباينٌ كبيرٌ، يحول بينهما دون بلوغ ما يُمكن الوصولُ إليه من هدف. فكيف يكون تحالف بين فئتين بينهما تباينٌ مبدئي في الاعتقاد، والفكر المبني على ذلك الاعتقاد، إلى المدى الذي يمكن فيه وصفه ذلك بالعداء المُستَحكِم بينهما؟
فهذه فئة من الناس تعتقد في غيبٍ مُطلق، وتؤمنُ بكل ما جاءها منه، من أوامرَ، مطلوبٌ منها تطبيقُها في حياتها الخاصة وحياتها العامة، وتلك فئةٌ تُنكر أصلاً وجودَ ذلك الغيبِ المطلق، ولا تعتقد إلا فيما تراه في عالم الشهادة، ولا تكتفي بانكاره بل تُحارب الاعتقاد في ذلك الغيب، وتحتقر نصوصَ أوامره ونواهيه. فـأي جامع بين تينك الفئتين المتنافرين اعتقادًا ونهجًا، ليقيما به حِلفـًا يفيد الناس في حياتهم، ويُقيهم ما يحدق بهم من شرور الخِلف والنزاع؟
قالت الأستاذة سناء، “وللأجيال الجديدة؛ كان الحزب الشيوعي السوداني أول الأحزاب الأيديولوجية في البلاد، وأول الأحزاب التي نأت بنفسها عن الأحزاب الطائفية، وكان أول حزب سوداني له قانون ولوائح، وتتم فيه عملية انتخاب للسكرتير العام.” ومضت تذكر فضائله للأجيال الجديدة، حيث قالت
لها،” كان أول حزب لديه انتاج ثقافي وندوات سياسية مفتوحة بها خطاب مختلف إلى آخر قولها.
ثم قالت عن الحركة الإسلامية ولتجعل من تشابه نشتها لنشأة الحزب الشيوعي، وشيجةً يمكن الاسهام بها في شيء من التقارب بين الفئتين حيث قالت،” تلى الحزب الشيوعي بأشهر في التكوين حركة الإخوان المسلمين، والتي دخلت في تحالف مع حزب التحرير الإسلامي، ثم رأت أنها تختلف عن حركة الإخوان المسلمين في مصر، فأصبحت الحركة الإسلامية وسُمي ذراعها السياسي جبهة الميثاق الإسلامي، وقد استفادت من تجربة الحزب الشيوعي التنظيمية في بناء هياكلها وشبكة علاقاتها، وهي مثله لم تخرج من عباءة الطائفية بل مراكز الوعي في جامعة الخرطوم ومعهد المعلمين العالي والمعهد العلمي.” وتقول نصـًا، وهي تعني حركة الإخوان المسلمين،” إن خطابها وجد قبولاً أوسع من الحزب الشيوعي، لأنه كان أكثر انسجاماً مع روح المجتمع السوداني المسلم، الذي كان يتوق حينها لمعرفة دينه وتعاليمه.”
فجملتُها أعلاه – أرادت ذلك أم لم تُرد -تعني أن خطاب الجبهة الإسلامية وجد قبولاً أوسع من الحزب الشيوعي، لأن الحزبَ الشيوعي كان أكثر انسجاماً مع روح المجتمع السوداني المسلم، الذي كان يتوق حينها لمعرفة دينه وتعاليمه”؟
فإن كان ذلك فعلا ما تعنيه الأستاذة سناء، فهذا شيءٌ تنفيه حوادثُ تاريخ الصراع بين الجانين. وذلك ما تؤكده هي نفسها بقولها ،” أن الإسلاميين والشيوعيين كانوا خصوماً بطبيعة الحال، نظراً لتباين الدعوات والأسس الفكرية بينهما، مشيرة إلى أن الصراع بين الطرفين شكّل ملامح الحياة السياسية السودانية لعقود، وخلّف مرارات عميقة في نفوس أجيال متعاقبة، ما أعاق تطور المشهد السياسي في البلاد.”
هذا، و في رأيي أن ما يُمكن أن يجمع بين الحزب الشيوعي والحركة الإسلامية في تحالف، فهو مثل ما يجمع (بين الضَّبِ والنون) في الاستحالة كما تقول العرب. فالضبُ هو ما نُسميه في السودان (ورل الخَلا) الذي يعيش في الصحراء، ويُقال إنه لا يشرب الماء ولا يقربه، والنونُ هو الحوتُ، الذي لا يعيش إلا في الماء، وإن فارقه مات. ومن هنا سُمي رسول الله يونس عليه الصلاة والسلام ذا النون، إذ ابتلعه الحوتُ كما ورد في القرآن الكريم.
فليتصور المرءُ ما يُفرق بين المخلوقين. والسعي للجمع بينهما يشبه السعي إلى الجمع بين الفئتين؛ الإسلامية والشيوعية واستحالة ذلك بحال. ولذا رأيت استحالةُ تحالف الفئتين في يوم من الأيام، بأنه أصعب مما يُمكن أن يحدثَ من وئامٍ بين الهندوس الذين يعبدون البقر، متخذين منها إلاهــًا لهم، وبين المسلمين الذين يذبحون ذلك الإله الهندوسي ويأكلونه.
فالاختلاف المبدئي في عقيدتي الفئتين يجعل من ذلك هو المحال بعينه.
ومما يُعبر عن تلك الاستحالة ما ورد في سياق قول سناء نفسها إذ قالت، “في 2019، ومع المواقف المتقدمة التي ( احترمتها) للحزب ، تحادثت مع أحد قياداته عن تحالف بينهم والإسلاميين للعبور بالبلاد من الفوضى التي اتفقنا أننا نراها مقبله ، تنهّد (الرفيق) الحكيم ، ثم قال لي صعب ناسنا يمشوا للخطوة فما زالت هناك مرارات”.
فأقول لها نعم، إنه كان حكيمـًا، في إبداء رأيه، إذ على الأقل كان صادقا مع نفسه بوجود تلك المرارات. وما لجت به العاطفة للاستهانة بخصوماتٍ جعلت من الرفاق يعبرون عنها عمليا بإهراقهمُ الدماءَ في مرات مختلفة وأماكنَ مختلفة من البلاد، شاهدٌ عليها في ذلك أديمُ هذه الغبراء. وذلك الحكيم الذي تنهدَ من غرابة دعوة الاستاذة سناء لوجود تلك المرارات، يكفيه من رفاقَه، ويكفي سناءً وإخوانَها، وقفة عند القصيدةُ المعروفةُ لشاعر الرفاق المعروف التي يقول فيها:
(( ها أنت تعود إذن يا سيدنا
حسنا!! ….. لك آخر ما في جعبتنا
أن نقتلَ أصبح أسهلَ من إلقاء تحية
أن نطلق في الرأس رصاصة
أن نغرز في الصدر الخنجر
أن نشنق أن نخنق أن نبتر
أن نمسح حد السيف بحد اللحية
أصبح يا سيدنا أسهل من إلقاء تحية.))
أما قول ذلك الحكيم الذي احترمته الأستاذة سناء هو قوله لها،:
“وانت ما تخافي على البلد، البلد دي محروسة بالأولياء الصالحين وبالقبب المنتشرة فيها دي، انا معوّل على ديل اكتر من الحييين !!” وتعقيبها هي عليه قائلة: “اندهشت !! لكني وجدتني اسأله : يعني انت شيوعي كيف!! مش بتبالغ !! يعني كيف تعوّل على القبب يااخ …ضحك قال والله نحن مش كفار …نحن أبناء ثقافتنا نعتز بها.” فقد رأى ذلك الرفيقُ (الحكيم) أن يصرف حُلمَ الأستاذة سناء الذي تدعو إليه، بأن يَصرفَ عنها مخاوفَها التي جعلتها تبحث عن ذلك الحِلف المُحال، خوفا مما قد يحدث للبلاد، إذ هو مطمئنٌ لحراستها بالأولياء الصالحين وبالقبب المنتشرة فيها، وهو معوّل عليهم أكتر من الحييين، كما قال، حيث رأى أن ينفي عنه وعن معشر الشيوعيين، ما عُرف من مُعتقدهم الالحادي، فدل على إيمانه بشيءٍ من إشراك الموتى مع ربهم في حماية البلاد!! وليت الأستاذة سناء تُقنع ذلك (الحكيم) ومثله كُثرٌ، بأن الأموات في قبورهم ليس لهم من حول ولا قوة، مهما تراءت للناس حياتهم في الدنيا،،!فهم أحوج ما يكونون للأحياء، كما قال الرسول عليه الصلاة و السلام، “إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.
فمع نفي الرجل عن نفسه ورفاقه محض الكفر، جاء ذلك النفي منه بإشراكه الموتى مع ربهم في حماية البلاد، فيكون فيكون بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار.
هدانا الله وإياه إلى جادة الصواب.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى