مقالات الرأي

الصراع بين عقلية القبيلة وعقلية الدولة

حوارات حول الأفكار... (130)

بقلم/ الدكتورحيدر معتصم.
(باحث في الشأن السياسي – مدير مركز الحوار السوداني)

مدخل: يُخطئ كثيرون حين يظنون أن المشكلة السياسية في السودان مجرد صراع بين تيارات سياسية مختلفة. الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. فالمشكلة الحقيقية ليست بين يمين ويسار، أو بين مدني وعسكري، بل بين عقليتين:

1. عقلية القبيلة: عقلية تنتمي إلى ما قبل الدولة، تؤمن بالولاء الضيق، وتختزل الوطن في العشيرة أو الطائفة أو الحزب.

2. عقلية الدولة: عقلية تؤمن بالشراكة الوطنية، وتبني على المواطنة، وترى الوطن كإطار جامع تتعايش فيه كل الاختلافات.

توضيح مهم: لا إساءة للقبيلة حين نتحدث عن “عقلية قبلية”، فنحن لا نسيء للقبيلة كمكون اجتماعي أصيل. بل إن القبيلة شكلت عبر التاريخ ملاذًا طبيعيًا للأمان، وكانت مصدرًا للرزق والحماية في مرحلة ما من تطور الإنسان. لكن التطور الإنساني قاد الشعوب إلى تجاوز هذا المفهوم، والانتقال من القبيلة إلى العرق ثم إلى الجهة ثم الدولة و القارة و العالم كإنتقال و كتطور طبيعي يبني عليه إحساس الإنسان بالأمان والهوية.

في السودان، ولأسباب كثيرة، تجمد هذا التطور. فظل الإحساس بالأمان، والولاء السياسي، والانتماء الاجتماعي قابعًا في محطة القبيلة، وهذا ما أنتج عقلية سياسية عاجزة عن بناء دولة حديثة.

مظاهر عقلية القبيلة في السياسة السودانية:

الاصطفاف السياسي القائم على العرق أو الجهة أو الطائفة.

تقديم الولاء على الكفاءة.

تغليب خطاب الشك والريبة على الشراكة والثقة.

رفض الآخر المختلف لاختلافه، لا لسوء فعله.

أخطر تحولات العقلية القبلية: تحولت عقلية القبيلة من تمثيل اجتماعي إلى مشروع سياسي، ومن الإقصاء إلى الاستئصال، فأصبح الآخر السياسي لا يُناقَش بل يُزال. وهذه العقلية انتقلت من كونها ممارسة فردية إلى منهج مستتر داخل كل التكتلات السياسية، بما فيها الإسلامية واليسارية والليبرالية.

نحو عقلية الدولة: الطريق نحو عقلية الدولة يبدأ بإعادة بناء المرجعيات التأسيسية للممارسة السياسية، وذلك من خلال:

العودة إلى مفهوم الوطن كقيمة لا كغنيمة.

بناء مؤسسات مجتمعية مستقلة وقادرة على حماية الفكرة الوطنية.

تجاوز الخطابات الانفعالية لصالح الرؤية العقلانية المؤسسة.

الاعتراف بالآخر المختلف كشريك، لا كتهديد.

الخروج من المأزق: يبدأ الخروج من هيمنة عقلية القبيلة بتأسيس تيار وطني جامع، لا يمثل حزبًا أو طائفة، بل يمثل الفكرة الوطنية نفسها. وهذا التيار يجب أن يبدأ من المجتمع، عبر مؤسسات وطنية تعمل خارج ثنائية السلطة والمعارضة، وتؤسس لبنية تحتية فكرية وأخلاقية تحمي مشروع الدولة من العبث السياسي.

خاتمة: ما يحتاجه السودان اليوم ليس حوارًا بين القبائل أو الأحزاب، بل ثورة عقلية تعيد تعريف السياسة نفسها، وتُخرجها من جغرافيا الغنيمة إلى فضاء الدولة… نواصل.

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى