تقارير وتحليلات

مشروع السودان الكبير يتجاوز دول الطوق

5Ws-service

تحت عنوان مشروع السودان الكبير يتجاوز دول الطوق قدمت الباحثة الإماراتية المتخصصة في الشئون الأفريقية تحليلا عميقا للدور الذي يمكن ان تلعبه الخرطوم وتأثيراته ونفوذها في المنطقة والخيوط والاوراق التي تمسك بها للضغط بها على أفريقيا الوسطى وبعض دول الطوق إذا لم تكن وفيه في تعاملها مع الخرطوم..فيما يلي نص المقال: (المحرر)

مشروع السودان الكبير يتجاوز دول الطوق

بقلم/ د. أمينة العريمي

(باحثة إماراتية متخصصة في الشئون الأفريقية)

يطلق على السودان في الأبجديات الأكاديمية الفرنسية القديمة “L’État de la Bonne Fortune ” وتعني باللغة العربية “دولة الحظ السعيد” بسبب موقعها الجغرافي الرابط بين دول القارة الإفريقية مجتمعة، وتنوع مواردها الطبيعية، وتعدد أوجه ثقافتها الإفريقية، وتعود تلك التسمية إلى الحقبة الإستعمارية التي تلت مؤتمر برلين 1884-1885م والتي كانت بداية لتقاسم النفوذ الأوروبي لدول القارة الإفريقية، فالسودان كان وما زال ينظر إليه بإنه إنعكاساً للسودان الشرقي “شرق إفريقيا”، وإمتداداً للسودان الغربي “غرب إفريقيا” الذي ما زال وحتى هذه اللحظة يحتفظ بالإرث العقائدي والقيمي والسياسي والثقافي لسودان الحضارة والتاريخ، ويكفي المرء منا إمعان القراءة في المخطوطات الإفريقية القديمة ليدرك بعدها الأثر القيمي الكبير الذي تركته حضارة “كرمة” و”كوش” و”مروي” في الوجدان الإفريقي بمختلف عقائده وإنتماءاته.
منذ يناير 2024 إجتاحت دول الجوار الإقليمي للسودان “إثيوبيا، كينيا، أوغندا، جنوب السودان، تشاد، إفريقيا الوسطى” موجة من الإنتشاء السياسي صاحبتها حالة من الإعتقاد المطلق ترى أن ركائز الدولة القومية السودانية التي طالما تفاخر وتمايز بها أبناء المقرن على سائر أبناء إقليم وادي النيل وما جاوره بدأت تتهاوى، ولم تعي تلك الدول مجتمعة ورغم تاريخها السياسي العريق الذي توصم به من أن الرهان مهما تعززت أوتاده لم يصب هدفه يوماً في أرض السودان، ويكفي للقارىء منا قبل الباحث أن يطلع على مذكرات “جان مارشان” والذي قال فيها عندما إلتقى بوزير الخارجية الفرنسي أنذاك “تيوفيل دلكاسيه” أثناء أزمة فاشودة 1898م وإطلاعه على الداخل السوداني “سيدي الوزير لا يمكن أن تخضع السودان إلا على يد السودان نفسه، وعلينا أن نقرأ كثيراً في تاريخ هذا الشعب قبل الإقدام على التعامل معه، فنحن لا نريد أن يردد جنود فرنسا ما كان يردده الجنود البريطانيون بعد هزيمتهم أمام قوات الثورة المهدية في معركة شيكان 1883م بأن السودان أرض تموت فيها الإمبراطوريات ولا نريد لأمبراطوريتنا الفرنسية الموت”.
رغم التجارب التراكمية الدقيقة التي مرت بها الأنظمة السياسية لدول الجوار الإقليمي للسودان والتي كان من المفترض أن تكون كفيلة بردع العبث الذي أحاط بحراكها الدبلوماسي والإستخباراتي والأمني تجاه الأزمة السودانية إلا إنه كشف مدى عمق حالة التشظي الفكري عندما تصيب أدمغة بيدها سلطة القرار فتقتل الوطن وتلوغ في سمعته.
إنعكس إعلان القيادة السودانية بالعودة التدريجية لكافة مرافق الدولة الحيوية، وقرب بدء عمل كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من العاصمة الخرطوم، والذي تزامن مع بدء تشكيل الحكومة السودانية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء الدكتور “كامل إدريس”، على كافة دول الجوار الإقليمي للسودان، وأصبح لكل دولة منظورها الخاص لفهم كافة التطورات المقبلة عليها، وإن إختلفت تلك العواصم في ألية ترجمة رؤيتها لسودان ما بعد الحرب إلا إنها توافقت دون أن تتفق بأن المؤسسة العسكرية السودانية نجحت بعد عام 2023 في فرض واقعاً أمنياً وإستخباراتياً جديداً سينعكس قطعاً على رؤية الخرطوم لإقليمها الجغرافي، وهذا ما يرجح وفقاً لوجهة نظر إفريقية إنتهاج القيادة السودانية لقواعد جديدة للأمن الداخلي وطرق مستحدثة لسياستها الخارجية تليق بوطن صرع المحك فإستحق الحياة.
بعد تشكيل حكومة الأمل بقيادة الدكتور “كامل إدريس” يقترح على القيادة السودانية  التركيز في الوقت القادم على الملفات التالية دعماً لإستقرار الجبهة الداخلية، وتعزيزاً للأمن الوطني، وضمان إستدامة سلامة وسيادة الدولة الوطنية السودانية:

تطبيق ما يمكن أن نطلق عليه بالفرنسية “Approche Fragmentaire” وتعني “مقاربة مجتزئة”، فيقترح على الخرطوم مساومة بانغي على ورقة “فيلق إفريقيا” الروسي، المزمع نشره 2026 في مقابل السماح للقوات المسلحة السودانية بالتحرك بحرية في منطقة شمال شرق إفريقيا الوسطى لمراقبة حراك مليشيا الدعم السريع وقطع الطريق على تمدد نشاطها، والهدف من ذلك البدء بتقطيع أوصال شبكة الطرق الحدودية وإستكمال خطة قطع كافة خطوط الإمداد اللوجستية للمليشيا، ولتحقيق ذلك القيام بالأتي:
إقناع بانغي بضرورة القبول بالعرض الروسي المتعلق بتوقيع إتفاقية دفاع “فيلق إفريقيا” دون أن تتحمل بانغي النفقات المالية، والإكتفاء بتعويضه كما تم تعويض سلفه “فاغنر” طوال الفترة التي تواجد في إفريقيا الوسطى، وفي المقابل ستنجح الخرطوم بذلك في إرسال رسائل “مشفرة” لموسكو من خلال عناصر دبلوماسية سودانية بأن أدوات الخرطوم للضغط على بانغي متعددة ومؤثرة في ذات الوقت وهذا ما تفتقر إليه مليشيا خليفة حفتر التي إستعانت بهم روسيا لإقناع بانغي حول “فيلق إفريقيا” ولم تحقق فيه نجاحاً يذكر، وهذا طبعاً على عكس الخرطوم التي توصف حتى على مستوى القيادات الأمنية في إفريقيا الوسطى بـ”la boussole de la stabilité” وتعني باللغة العربية بــ”بوصلة الإستقرار” وذلك لإدراك تلك القيادات بقدرة الخرطوم على التأثير في الداخل الأفرو-وسطي لقرب القيادات “المعارضة” السياسية الفاعلة في بانغي من الدوائر الأمنية السودانية، وأرى أن ذلك المسعى السوداني سوف ينجح خاصة إذا طرحت الخرطوم على موسكو أن “توديرا” إن كان الأمر يعود إليه فهو يسعى لتخليص بلاده من النفوذ الروسي وهذا ما يفسر مساعيه الحثيثة للتقرب من الولايات المتحدة تارة وباريس تارة أخرى، وبالتالي على موسكو إبداء بعض المرونة حول إتفاقية الدفاع التي تريد من إدارة الرئيس “توديرا” توقيعها مع “فيلق إفريقيا” وحل النقاط الخلافية مع بانغي حول ذلك، وفي ذات الوقت سيقود هذا المقترح إلى طمأنة كافة الأطراف المنخرطة “الخرطوم، بانغي، موسكو”، فالخرطوم ستتعرف على مدى مستوى جدية بانغي في تفعيل إستراتيجية التعاون والتقارب التي أطلقتها الأخيرة لدعم سيادة الدولة الوطنية السودانية، وقطع كافة خطوط الإمداد والتنسيق مع مليشيا الدعم السريع إذا أراد حزب “‏Mouvement des Cœurs Unis” الحاكم في بانغي إقامة الإنتخابات في ديسمبر القادم بدون توترات داخلية خاصة أن توديرا يواجه “دولوجيلي” أحد أبرز الأصوات الممثلة لصوت النخبة السياسية الرافضة لإنخراط بلادهم في الشأن الداخلي السوداني، وفي ذات الوقت سوف تحافظ الخرطوم على موقف موسكو المساند لها في مجلس الامن.

نواصل..

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى