مقالات الرأي

مقعد فارغ على الطاولة

فايف دبليوز سيرفس

بقلم : شذى عبدالله طه زين الدين

الغِياب ليس دائمًا صاخبًا كما نظن
أحيانًا يتجسّد في أبسط صورة
مقعد فارغ على طاولة اعتاد أن يكتمل بضحكة أو بكلمة عابرة تُلقيها روح تعرف كيف تملأ المكان.
ذلك المقعد الفارغ لا يحتاج أن يتكلم يكفي صمته ليوقظ فينا كل الذكريات التي لم نتوقع يومًا أن تصبح ذكرى..
ثمة غِياب يعلّمنا أن الحياة لا تُقاس بالسنوات ولا بالمناسبات الكبرى بل بالتفاصيل الصغيرة التي كانت تجعل اليوم عاديًا لكنه دافئ كرسي خالٍ يمكن أن يكون أثقل من فراغ بيت كامل لأنه يذكّرنا أن شيئًا ما لم يعد كما كان..
الطاولات تعرف أسرارنا أكثر مما نتخيل
تعرف عدد الأيادي التي تشابكت فوقها وعدد الفناجين التي قُدّمت وعدد الأحاديث التي بدأت ولم تكتمل
الطاولة شاهدة على العمر والمقعد الفارغ شاهد على أن الرحيل قد لا يُعلن نفسه بصوت بل يترك أثره في صمت المكان..
أحيانًا نحاول أن نملأ ذلك الفراغ فنضع على الكرسي حقيبة أو كتابًا أو حتى نتركه خاليًا عمدًا وكأننا نقول لأنفسنا
ما زال هناك احتمال أن يعود صاحبه لكن الحقيقة أن المقعد لا ينتظر أحدًا نحن من ننتظر

لقد تعلّمت أن الفراغ لا يُملأ بأشياء جديدة بقدر ما يُخفّف بالقدرة على التذكّر بلا وجع
أن نتذكر الضحكة ولا نذوب حزنًا
أن نعيد رواية الحكايات القديمة وكأنها حياة مستمرة أن نقول لأنفسنا الغياب ليس نهاية
بل شكل آخر للحضور
أرتشف قهوتي الباردة على الطاولة نفسها وأدرك أن الفقد مثلها يفقد حرارته الأولى لكنه يظل حاضرًا بمذاق مختلف..
لا يجرح كما في البداية لكنه يُذكّر أن ثمة شيئًا لن يعود كما كان..
ويبقى السؤال: هل نتعلّم أن نتصالح مع المقاعد الفارغة أم نظل ننتظر من يملأها من جديد؟
قهوتي-أحب-شربها-باردة

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى