مقالات الرأي

من التمثيل السياسي إلى التأسيس الوطني: فزلكة مفاهيمية لبناء الدولة

حوارات حول الأفكار...(147)

بقلم /د. حيدرمعتصم

(رئيس مركز الخرطوم للحوار)

المدخل:
بعد كل ما طرح من مقالات سابقة حول قضايا المجتمع والدولة والهوية، تبرز الحاجة إلى وقفة تأملية نقدية، تُمكِّننا من إدراك أن المشكلة السودانية ليست أزمة حكم فقط، بل أزمة تأسيس، وأن ما نحتاجه لا يندرج تحت خانة “الإصلاح” بل “إعادة البناء”.
لقد ظل الخطأ الفادح منذ الاستقلال هو التعامل مع الدولة ككيان جاهز، يُدار بالصراع على السلطة، بينما الحقيقة أن الدولة السودانية الحديثة لم تُبْنَ بعد، وأن محاولات ترقيع البنية السياسية دون إعادة النظر في أسسها ومكوناتها ليست إلا تكريسًا للعطب.

فكرة المقال:
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن التمثيل السياسي الذي تصارعت عليه النخب لعقود، سواء عبر الأحزاب أو الحركات المسلحة، أو عبر محاولات الانقلابات، ما هو إلا تجلٍّ لأزمة أعمق: غياب المشروع الوطني الجامع الذي يؤسس لدولة حقيقية.
وأن إعادة التأسيس تبدأ بتفكيك المفاهيم الملتبسة، وتثبيت مفاهيم جديدة نابعة من الواقع السوداني ومتماهية مع قضاياه.

أولاً: من تمثيل النخب إلى تمثيل المجتمع

ظل تمثيل الشعب في السودان محصورًا داخل معادلات سياسية نخبوية، ترتكز على أحزاب أيديولوجية مغلقة أو تكتلات جهوية وقبلية. بينما يغيب صوت المجتمع كمصدر للشرعية، وكمرجعية لتقييم السياسات.

علينا أن ننتقل من تمثيل السياسيين للمجتمع، إلى تمثيل المجتمع لنفسه، عبر مؤسساته الأهلية والمدنية، في شراكة تصنع التوازن وتُبقي السياسي تحت رقابة المجتمع لا العكس.

ثانيًا: من الخلاف على الهوية إلى تأسيس مرجعية وطنية

عاشت النخب السودانية لعقود صراعًا على هوية الدولة، بين العروبة والإفريقية، بين الإسلام والعلمانية، بين المركز والهامش… صراع لا ينتهي لأنه لا يستند إلى أرضية مرجعية مشتركة.
ما نحتاجه هو مرجعية وطنية سودانية متفق عليها، تنبع من الإرث التاريخي والجغرافي والثقافي للبلاد، وتستوعب تعدد مكونات السودان دون إقصاء، بل باحترام التنوع كجزء من قوة الوطن لا من نقاط ضعفه.

ثالثًا: من تزييف الدولة إلى التأسيس الحقيقي :

الدولة ليست مجرد أجهزة تنفيذية أو انتخابات، بل عقد اجتماعي ومؤسسات راسخة، ومجتمع واعٍ يمارس سلطته الرقابية والأخلاقية. ما حدث في السودان هو أن النخب مارست سياسة بلا دولة، وأقامت سلطة بلا مؤسسات، وادعت تمثيلًا بلا شرعية.

إن إعادة التأسيس تعني:

بناء المؤسسات من القاعدة إلى القمة.

إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة.

صياغة دستور يعبّر عن العقد الاجتماعي لا عن انتصار تيار سياسي.

الخاتمة:
ما نحتاجه اليوم ليس مجرّد إصلاحات سياسية، ولا إعادة هيكلة للسلطة، بل مشروعًا فكريًا ومجتمعيًا يؤسس لوطن جديد بهوية جامعة، ومؤسسات تمثل الشعب بحق، ودولة تخضع للمجتمع لا العكس.
وهنا تكمن مهمة التيار الوطني الجامع:
لا كبديل للأفكار والأيدلوجيات،
بل كإطار جامع يُعيد ترتيب الاصطفافات،
ويفتح المجال لتنوع فكري حيوي، يتشارك في الوطن كهوية، ويختلف في الوسائل لا في الغايات.
📌17أبريل 2024

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى