
(1)
لا مِراءَ ولا كثيرَ جدالٍ في أن حرب 15ابريل 2023 كشفت الكثير من الأقنعة، وأزاحت الكثير من الغشاوات والغبش فبدت العديد من الحقائق تتراءى كما هي، بدون رتوش وبلا أغطية..وهي حقائق ووقائع تسندها معطيات راسخة لايتطرق إليها الشك مطلقًا..ومن تلك الحقائق التي تقف الآن عارية ، مجردة من ثياب التضليل والزيف والتبرير تبدو في الآتي:
(2)
الحقيقة الأولى:
المعطيات الموضوعية كلها تشير إلى أن حرب أبريل كانت مؤامرة إقليمية دولية كبرى تستهدف وحدة السودان وأمنه واستقراره، وبنياته التحتية ومواقعه الحيوية الاستراتيجية ومواضع قوته فكان لابد من استهداف أهم عناصر القوة وهما
الجيش والشعب..
أما الشعب فقد هُجِّر، وشُرِّد ونُهبت ممتلكاته الخاصه، وانتهكت أعراضه..وأما الجيش فقد كان الهدف الأكبر القضاء عليه تمامًا واستبداله بآخر نواتُه قوات حميدتي المُمسك بلجامها “الخارج”، وتغيير عقيدته القتالية ليصبح أشبه بالميليشيا القبلية، ويُدار ويموَّل بالكامل من الخارج، وينفذ أجندة الممولين، ويرعى مصالحهم، ويُستخدم لضرب الشعب السوداني وقمعه.
(3)
الحقيقة الثانية:
أن قيادة الجيش السوداني تم استدراجها وجرها نحو مستنقع الغفلة – قبل الحرب – بينما كانت قيادة الدعم السريع تجهز الجيوش وتعمر سلاحها في صدر قيادة الجيش، وحتى تلك اللحظة لم تفق القيادة من الغفلة، وبدت في تعاملها مع قوات حميدتي كمن يسلم رقبته للعدو مع شفرة حادة إمعانًا في الغفلة، فكان لحميدتي المواقع العسكرية وسلطة التجنيد والتجييش، والسيطرة على الذهب، ومواضع القوة والاقتصاد وخطوط التواصل مع الخارج وهو الأمر الذي مكن حميدتي من ناصية كل شيء حتى انتفخت أوداجه ونفش ريشه ورأى نفسه العملاق الذي بإمكانه أن يفعل بالسودان مايريد ، والكل إلى جانبه مجرد أقزام، وشرذمة قليلون..
وساعده في ذلك أقلام تافهة انتهازية حقيرة ظلت تسبح بحمده وتمجده وتعظمه وتألهه، وتصوره بأنه المنقذ للسودان.
(4)
الحقيقة الثالثة:
الحقيقة الثالثة التي بدت أكثر جلاءً هي أن طرفي الصراع التقليدي – اليمين واليسار- بريئان من أي تخطيط في عملية إشعال عود الثقاب الذي أحرق السودان..
هذه البراءة تبرزها الإستعدادات الضخمة والمبكرة لقوات الدعم السريع من تحشيد وتسليح وتحريك آليات حربية ومن أحداث مروي والباقير كل تلك المعطيات تعزز فكرة ان الدعم السريع يبيت نية الحرب وقد حدد ساعة الصفر بينما كان الجيش بعيدًا عن أجواء الحرب والاستعداد لها وحينما اندلعت الحرب لم يكن على علم بتوقيت إنطلاق شرارتها الأولى، وكل المؤشرات والدلالات تعكس ذلك، وقد تناولنا هذه الأمور في مقالات سابقة، وبالتالي لم يخطط لها لا الجيش ولا “الكيزان” ولا “القحاتة”..
بينما وضعت “الدعم السريع” خطة الإنقضاض على السلطة والقضاء على قيادات رفيعة بالجيش من ضمنها القائد العام للقوات المسلحة لتستولي على السلطة، وبالتالي كانت كل المؤشرات والمعطيات تعزز تلك الخطة التي دعمها الخارج سرًا وجهرًا…وبذلك تكون قوات الدعم السريع خرجت من دائرة القوات النظامية المؤسسة بقانون اجازه برلمان إلى دائرة التمرد والفوضى والخروج عن القانون بلا قضية وطنية ولاهدف وطني اللهم إلا الأطماع السلطوية والاجندة الخارجية، وتبريرات التمرد الفاجر..
(5)
الحقيقة الرابعة:
الحرب أوجدت الحاجة الماسة إلى إعادة ضبط الحياة السياسية بحيث تحكمها قوانين ومباديء وضوابط صارمة، أقلها قانون أحزاب جديد يُلجم الفوضى وأسباب الصراع السياسي المفضي إلى الحروب والنزاعات والتقلبات والفجور في الخصومة التي يتأذى منها الوطن والمواطن، كما اوجدت الحرب ايضاً الحاجة إلى مؤسسة عسكرية مهنية تلتزم حدود مهامها الدستورية متقيدة بالقانون تمتلك حساسية مفرطة تجاه أي علاقة بأي تنظيم سياسي، ذلك لأن تحصين الجيش من الولاءات الحزبية هو ضمان الإستقرار وضمان لوجود مؤسسة عسكرية قومية مهنية تظل موضع احترام وتقدير الجميع وتقف على مسافة واحدة من الجميع..
(6)
الحقيقة الخامسة:
الحقيقة الخامسة التي كشفتها الحرب، أن القوى السياسية هي الحلقة الأضعف في معادلة الأمن القومي السوداني، حيث بدت قليلة الشأن ضعيفة الأثر ، صاحبة صوت عال في السلم أقرب إلى المهرج، خافتة الأضواء في اوقات النوازل، ليس لها تأثير أو نفوذ في مسرح الأحداث، مما يستوجب بناء مؤسسات حزبية ديمقراطية قوية منضبطة بالقانون……اللهم هذا قسمي فيما املك..
نبضةأخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.