
(1)
رجل الدولة هو من يستخدم السلطة لبسط هيبة الدولة وسيادة القانون وتمكين العدالة ورفاهية الشعب..
أما رجل السلطة هو من يتسلط على رقاب الشعب ويكرس فقط لسلطته وموقعه أيًّا كان هذا الموقع سواءً أكان رئيس دولة، أو مدير محليه، ويستخدم السلطة لحماية مصالحه الذاتية، فيَثري بها وينتفع منها فيتوسع في الاستثمارات الخاصة مع الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين..وكما يقول مثلنا الشعبي : (كل نملة بقرصتها)..
“النملة الكبيرة” تقرُص قرصةً بحجمها، فيتألم منها كل الشعب.. و”النملة الصغيرة” تؤذي مجتمعها المحلي ..
(2)
رجل الدولة يُضحي من أجل شعبه، فيجوع لجوعهم، ويسهر ويقلق لراحتهم، ويتألم لآلامهم، ويكون أشقى الناس إبان الكوارث والمصائب التي تحل على شعبه، فلا يذوق طعم النوم والراحة فينتحل جسمه، وتذبل خدوده، ويشحب لونه ووجهه من فُرط المسؤولية الملقاه على عاتقه.. ويا لها من مسؤولية ويا لها من أمانة ثقيلة، ترتعد منها الفرائص، وترتجف لها القلوب والأوصال، ولَكَمْ أبكت من ثقلها رجالٌ في وزن عمر بن الخطاب وهو الذي يهابه الشجعان ، ويخشاه الجن الشيطان، ولَكَم ارتعدت من وطأتها قلوبُ رجالٍ من أمثال عمر بن عبد العزيز، وما أدراكما عمر..
(3)
وأما رجل السلطة فتجده أسعد الناس في أزمان الكوارث والمصائب، فمن الأزمات والكوارث والمصائب يستمد سلطانه، وبها يستقوي على أقرانه ، ويتسلط على خصومه ومنافسيه وفي أزمان الكوارث والأزمات تكثرُ أمواله، وتنتفخ أوداجه فيحتمي بالكوارث والأزمات من المحاسبة والنقد والعقاب، فيشقى الناس ويسعد هو، ويجوع الناس ويشبع هو، ويفقر الناس ويغنى هو ويزداد دخله من الحرام والسحت واكل أموال الناس بالباطل ولايشبع فتمتد يداه الآثمتان إلى فُتات أقوات شعبه وإن كانت حفنة من “إغاثة”..!!. وتشحب وجوه الشعب وتذبل خدودهم وتتورد خدوده بما يتبدى عليه من آثار الدعة والراحة ورغد العيش، وهو بعيد عن شواغلهم وهمومهم..
(4)
رجل الدولة..يزن كلماته بميزان الذهب، لايسيء ولايجرح، يجمع بين الناس بالحكمة ولايفرقهم، يختار من الكلمات اطيبها ومن الأساليب أعذبها، وهو يخاطب من يتولى امرهم، كلمات تدخل السرور وتبشر ولاتنفر وتُطمْئِن وتُفزع ولاترعب ولاترهب، ولاتخوِّن ولاتقصي إلا عدوًا ظاهر العدوان ..فالتخوين والتجريم له أجهزته المختصة بعد التحري والتمحيص، وفوق كل ذلك رجل الدولة يقف في مسافة واحدة بين من يتولى أمرهم..
(5)
ورجل السلطة، يوقر الصدور، ويشعل الفتن، ويغذيها سرًا وعلانية، لأنها هي الأوكسجين الذي يتنفسه ويبقيه على قيد “الحياة” التي كرس لها سلطاته، وهي الماء العكر الذي يصطاد فيه فريسته من منافسيه وخصومه، وهي المناخ الذي يلائم عيشه الذي اختار..
فرجل السلطة بخلاف رجل الدولة..فالأول يكرس لسلطته المطلقة بالقوانين المقيدة للحريات، وبالقانون يحمي الفساد، والأشخاص المفسدين، فتكون السلطة عنده لترهيب الخصوم وإذلالهم وحماية فساده والإفلات من المحاسبة، وأما رجل الدولة، فليس له ما يخاف عليه، ولاهم له إلا أمن دولته واستقرارها، ورفاهية شعبها وتحقيق العدالة الاجتماعية بقدر المستطاع، فهو بعيد عن التسلط والقهر والاستبداد….اللهم هذا قسمي فيما املك..
نبضة اخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.


