
محمية الدندر إلى أين؟..لنوقف التدهور أولاً ثم نبدع ونبتكر
بقلم/ عزمي علي بلة (كاتب روائي وقاص)
هو طفل شاد الرمال قصورا وهي آماله ودك الرمال..
لو تأملنا عدالة المولى عز وجل في تقسيم الأرزاق بين الأمم والشعوب والأفراد، لخرجنا بالكثير من الحكم.
فالناظر لخارطة العالم يعرف كيف تتجلى عدالة السماء.
ففي العالم بعض الجزر المعزولة قد يتحير المراقب كيف يعيش هؤلاء، لكنك لو جلست على رصيف الشارع المؤدي لمطار هذه الدولة أو تلك، ستعرف من عدد الطائرات وحجم حركة السياح عبر الزوارق وغيرها من وسائل النقل، ستعرف كم سائحا يدخل لهذه الدولة يوميا، وبحسبة بسيطة لما يدفعه هؤلاء السياح مقابل الخدمات الفندقية والرسوم الحكومية وخدمات المطاعم والترفيه وشراء التحف التذكارية والمنتجات المحلية، وحجم الوظائف التي تخلقها حركة السياحة، ستعرف كم مليار من الدولارات يدخل لخزينة تلك الدولة التي خيل لك من أول وهلة بأنها جزيرة معزولة وفقيرة! لا يا صديقي فأنت تحتاج إلى مراجعة أفكارك.
مواصلة لتأملاتنا فبعيدا عن هذه الجزر الاستوائية ومناخها الجميل الجاذب، يمكنك أن تصل بلدان صحراوية جدباء تعاني فيها السحالي من حرارة الرمال، ويمكن أن يتبادر لذهنك سؤال لماذا خلق الله هذه الصحاري الجرداء، حيث لا خضرة ولا ماء! لكنك بطبيعة الحال ستغير وجهة نظرك عندما تعرف أنهم يعيشون فوق بحيرات من النفط، ويسر لهم رب العزة هذا كي يستخرجوه ويشتروا به المياه العذبة أو يقومون بتحليتها، ويشتروا بنفطهم هذا كل ما لذ وطاب، ويشترون ما يمكنهم من تبريد هواء بلدانهم وتيسير ما يحتاجونه من خدمات.
وعلى هذا يمكنك القياس فبعض البلدان وضعت أرزاقها في باطنها بمختلف المعادن، وبعضها على سطحها ومناخها، والبعض حظي بالموقع، ودول حظيت بمواردها البشرية وطاقات جبارة تفيض عن حاجتها.
الآن يمكن أن نعود للسودان، فالحمد لله قد رزقنا خيرات لا تحصى ولا تعد (معادن، مناخ، طبيعة، مصادر مياه وفوق كل ذلك إنسان أسطوري يرجع إليه أصل البشرية كما تفيد الدراسات الحديثة وكما تصوره جداريات مملكة كوش وامتداداتها المسيحية والإسلامية )
لا أريد التشعب كثيرا وأحب الدخول مباشرة لموضوع محمية الدندر والتي هي إحدى المنح الربانية للسودان ولإنسان الدندر على وجه الخصوص. كما يمكن أن يقاس عليها في محمية الردوم أو الشعب المرجانية في البحر الأحمر. وعندما أقول هذه منحة ربانية وأنا أعني ذلك جملة وتفصيلا، فربنا يمنحنا الخيرات هكذا وخلقنا لنعبده ولنعمر الأرض. في هذا المقال أتناول موضوع وقف التدهور أولا.
هذه المحمية التي تأسست سنة 1935 وتعتبر من أوائل المحميات وأكبرها في العالم أجمع يمكنها لوحدها أن تحدث فروقات اقتصادية كبيرة للسودان لو تضافرت الجهود من أجل النجاح. وأنا أحب أن أكون دقيقا في اختيار عباراتي وأعني ما أقول بمصطلح تضافر الجهود ولا أكيل الاتهامات للحكومات المتعاقبة إنما الجهد من هذا النوع هو جهد جماعي.
حسب علمي وأنا ابن الدندر، يمتلك السودان جهاز شرطي خاص لهذه المحمية منذ زمن بعيد بل ونعتبر نحن السودانيون من أبرع الشعوب في أدارة عمليات المحميات الطبيعية وحسب علمي كثير من الدول استعانت بخبرتنا في تطوير هذا النوع من الأنشطة. عليه فموضوع أدارة عمليات المحمية ليس هو بيت القصيد حتى وإن احتاج لبعض التطوير التقني بناء على التطور الحاصل عالميا في هذا المجال. لكن ما اقصده هنا وأشدد عليه هو دور مجتمع المنطقة ومنظماته المدنية، حيث لا يكفي سن القوانين والتفرج عليها! فالقانون لا ينفذ نفسه بل يحتاج أجهزة دولة مخلصة لتنفذه ويحتاج كذلك لرقابة دقيقة من السلطة التشريعية والصحافة أو لنقل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لنقول للمنفذ عليك بأداء دورك فالموضوع ليس حيوانات في محمية كما يصوره البعض. الموضوع أرزاق ومعايش صخرها لنا المولى عز وجل ويجب علينا الحفاظ على هذه النعم والبحث عن أسباب تنميتها واستدامتها بكل ما أوتينا من قوة.
. فعلينا جميعا مطالبة الجهات المعنية تطبيق القانون بمتابعة الأسواق لمحاسبة كل من يبيع لحم الغزلان المجفف، فكيف نمنع الصيد وأسواقنا مليئة بلحوم الغزلان والزراف وريش النعام، فهذه المنتجات التي نشتريها هي نتيجة صيد الحيوانات من داخل محمية الدندر وليست مستوردة من كوكب آخر، فمحاربتها يعني تطبيق القانون الذي يمنع الصيد ويحرمه.
هل فكرنا يوما بمصادرة حذاء كل من يرتدي مركوب جلد النمر أو جلد الأصلة باعتباره مخالفا للقانون؟ فالقانون الذي يجرم صيد الحيوانات البرية يجب أن يحاسب من يرتدون جلودها، فهذه الجلود لا تأتي من حيوانات صناعية! بل هي جلود ذات الحيوانات التي يحرم القانون صيدها، ولو أرادت السلطات معرفة الصيادين عليها بالقبض على كل من ينتعل حذاء مصنوع من جلد النمر أو غيره وتتبع سلسلة المجرمين لا أن نضع قانون غير قابل للتطبيق. وبطبيعة الحال الأمر يخص أفراد المجتمع المحلي في الدندر وأهل السودان كافة ليس السلطة التنفيذية فحسب. هل نحن كمواطنين جاهزون لنغير ما بأنفسنا؟ هل وصلنا مرحلة أن ننظر للشخص الذي ينتعل حذاء مصنوع من جلد النمر أو يعلق ريش النعام لزينة سيارته بانه أناني ويضر بمصالح المجتمع؟ هل يمكن أن تعاف نفوسنا لحوم الحيوانات البرية ونشمئز ممن يأكلونها طمعا في مستقبل أفضل لأبنائنا؟ هل يمكننا أن نواجه من يقطن داخل المحمية بحجة النزوح ونقول له أرض الدندر واسعة أترك المحمية التي تسببت لها بالحرائق والترويع وأبحث عن مكان لتسكن فيه؟ هل وصلنا مرحلة أن ننظر لصياد الحيوانات البرية بانه مجرم ومخالف للقانون والتبليغ عنه بدلا عن شراء منتجاته سيئة السمعة هذه؟ هل يعلم هذا الصياد بأن الغزالة ذات الخمسة عشر كيلوغرام التي يبيع لحمها بما يعادل مئة دولار يمكن أن تدر لخزينة الدولة مئات الألاف من الدولارات لو طلبت جهة معينة تصوير فلم وثائقي عن عملية ولادتها؟ أو كم سيدفع آلاف الناس من التذاكر للدخول للمحمية والتقاط بعض الصور لها ولصغارها؟
إذا وجدت أجهزة الدولة أو السكان صعوبة في ملاحقة مخربي البيئة فبالإمكان محاربة تجارتهم، حيث لا أحد سيقدم على شراء سلعهم أذا كانت ممنوعة بالقانون وتوفرت منظمات مجتمع مدني تقاضي كل من يخالف القانون المعني.
لنتخذ من هذه الحرب عبرة ونعدل مسارنا. فمحمية الدندر تعرضت لما تعرض له إنسان الدندر من معاناة بسبب دخول مليشيا الدعم السريع إليها. فإذا كان بالإمكان مخاطبة إنسان الدندر وإبلاغه بأن مدينته قد تحررت وعليه العودة فمن الذي يبلغ الغزلان التي غادرت مفزوعة بأن تعود؟ الأمر قد يحتاج عشرات السنين لتدرك الحيوانات أن الوضع بخير ولكن ليس مستحيل، فعلينا العمل بجد وتفاني ولا يستثنى من ذلك حتى المغتربين أمثالي فكل فرد يمكنه المساهمة حتى لو كانت من على البعد فبلسانه خير من قلبه وهو أضعف الإيمان
وآخر قولي كما قلت أول (لنوقف التدهور أولا).