
بقلم/الدكتور ياسر أحمد إبراهيم
(طبيب إستشاري والأمين العام الأسبق للمجلس القومي للطفولة)
لمعالجة قضايا الطفولة في السودان بعد الحرب، لا بد من وضع تصور شامل يستجيب لحجم الوضع الإنساني الذي طال الأطفال على كافة الأصعدة (الصحية، النفسية، الاجتماعية، والأمنية). الحرب أفرزت واقعًا مأساويًا يتطلب تدخلًا عاجلًا ومتكاملًا من الدولة، المجتمع المدني، والمنظمات الدولية.
المقترح يشمل عدة محاور رئيسية:
أولًا: الاستجابة الصحية العاجلة
1. حملة تطعيمات طارئة:
إطلاق حملات تحصين جماعية (ضد شلل الأطفال، الحصبة، الدفتيريا…) بالتعاون مع منظمات مثل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية.
إنشاء وحدات تطعيم متنقلة للوصول إلى المناطق النائية ومناطق النزوح.
2. توفير الأدوية والمستلزمات الطبية:
إدخال أدوية الطوارئ والمضادات الحيوية، والمكملات الغذائية، خصوصًا للأطفال دون سن الخامسة.
دعم مراكز الرعاية الصحية الأولية وتأهيل الكوادر الطبية في مناطق النزاع.
3. معالجة سوء التغذية:
توزيع أغذية علاجية جاهزة .
إنشاء مراكز تغذية عاجلة للأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد.
ثانيًا: الحماية من الاستغلال والعنف
1. رصد وتوثيق الانتهاكات:
إنشاء آلية لرصد وتوثيق حالات تجنيد الأطفال، التحرش، العنف الجنسي، وسوء المعاملة.
2. نزع السلاح وإعادة التأهيل:
برامج خاصة لنزع السلاح من الأطفال المجندين وإعادة تأهيلهم نفسياً واجتماعياً وتعليمياً.
تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الناجين من العنف والاغتصاب.
3. حماية قانونية وتشريعية:
تفعيل القوانين التي تجرم تجنيد الأطفال واستغلالهم، وتشكيل آليات تنفيذ فعلية.
إنشاء محاكم أو لجان عدالة انتقالية مختصة بحقوق الأطفال المتأثرين بالحرب.
ثالثًا: الدعم النفسي والاجتماعي
1. إنشاء مساحات آمنة للأطفال:
مراكز صديقة للطفل تقدم الدعم النفسي، التعليم غير الرسمي، والأنشطة الترفيهية.
دمج الأطفال في أنشطة تعيد إليهم الإحساس بالأمان والانتماء.
2. تدريب مقدمي الرعاية:
تدريب المعلمين، الأمهات، العاملين الاجتماعيين على التعامل مع الأطفال المتضررين من الصدمات.
رابعًا: الأمن الغذائي ولبن الأطفال
1. توفير أغذية الأطفال:
توزيع حليب الأطفال ومستلزمات تغذية الرضع مجانًا في مناطق النزوح والمناطق المتضررة.
دعم الأمهات المرضعات وتوفير برامج تغذية للحوامل والمرضعات.
2. برامج دعم الأسر:
تقديم مساعدات نقدية وغذائية للأسر المعيلة للأطفال لتحسين قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
خامسًا: التنسيق الوطني والدولي
1. تشكيل لجنة وطنية لإعادة تأهيل الأطفال:*باشرف المجلس القومي للطفوله*
تضم وزارات (الصحة، الرعاية الاجتماعية، التعليم، الداخلية) بالإضافة لممثلين عن المجتمع المدني واليونيسف.
2. تعبئة الموارد الدولية:
وضع خطة استجابة إنسانية متكاملة لجمع التمويل من المانحين الدوليين.
3. دمج قضايا الطفولة في جهود إعادة الإعمار:
لا يجب أن تكون قضايا الأطفال معزولة عن خطط إعادة بناء السودان، بل في صلبها.
سادسًا: التعليم في الطوارئ
1. إنشاء مدارس مؤقتة:
خيام تعليمية أو مراكز مجتمعية لتوفير التعليم الأساسي للأطفال النازحين.
2. برامج تعليم تعويضي:
تعويض السنوات الدراسية الضائعة، خاصة للأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة بسبب النزوح أو التجنيد.
ختامًا: قضايا الطفولة في السودان ما بعد الحرب ليست إنسانية فقط، بل هي قضية وطنية تتعلق بمستقبل البلد واستقراره. بدون استثمار حقيقي في حماية هؤلاء الأطفال واستعادتهم لحياتهم الطبيعية، فإن السودان سيخسر جيلًا كاملاً يمكن أن يكون حجر الأساس في البناء والسلام.
*دكتور ياسر احمد ابراهيم احمد طبيب استشاري الامين العام الاسبق للمجلس القومي للطفوله. المدير العام السابق للمؤسسه الصحيه العالميه. رئيس النقابه العامه للمهن الطبيه والصحيه بالسودان*