مقالات الرأي

غرباء رغم القرب

فايف دبليوز سيرفس

بقلم: شذى عبدالله طه زين الدين

أصعب أنواع الغربة ليست تلك التي تفرضها المسافات أو المطارات أو الحدود بل تلك التي تسكن القلوب ونحن ما زلنا تحت سقف واحد
أن تكون قريبًا من أحدهم جسدًا لكن بعيدًا عنه روحًا أن تشاركه تفاصيل اليوم وتسمع صوته وتراه أمامك ومع ذلك تشعر وكأن بينكما بحارًا لا تُقطع

الغربة وسط القرب أشبه بظلّ لا يُفارقك يذكّرك في كل لحظة أنك لم تعد كما كنت وأن شيئًا ما تغيّر في الطريق
هي غربة لا تحتاج إلى تذكرة سفر بل إلى كلمة صدق أو عناق صامت يعيد ترتيب المسافات بين قلبين كانا يومًا متلاصقين

كثيرًا ما نكتشف أن الغربة ليست قرارًا بل نتيجة تراكمات صمت وغياب أسئلة صغيرة وافتقاد بوحٍ كان يُطمئننا كلمة كيف كان يومك؟ حين تُقال بصدق تُذيب جبالًا من الوحشة بينما غيابها يترك جدارًا يتسع يومًا بعد يوم

لقد عرفت أن القلوب تشبه القهوة إن تُركت طويلًا تبرد وتفقد حرارتها لكنها لا تفقد نكهتها تمامًا
هناك دومًا فرصة أن نعيد إليها دفئها أن نمنحها حرارة جديدة لتستعيد طعمها الأول
وأحيانًا أرتشف قهوتي الباردة فأجد فيها صدى لهذه الغربة هادئة المذاق لكنها تذكّرني أن شيئًا ما لم يعد كما كان

نحن لا نخسر الناس فجأة، بل نخسر تفاصيل صغيرة كانت تجمعنا
نظرة عابرة ضحكة متبادلة، انتظار مكالمة مسائية أو حتى خلاف بسيط كان يُعطي للحوار حياة
وعندما تختفي تلك التفاصيل نكتشف أننا أصبحنا غرباء رغم القرب

ومع ذلك ما زلت أؤمن أن المسافة بين القلوب لا تُقاس بالخطوات بل بالقدرة على الإنصات
قد نعيش في مدينة واحدة ونشعر أننا بعيدون آلاف الأميال وقد يفصلنا محيط كامل ونشعر أن المسافة بيننا أقرب من تنفّس واحد

ويبقى السؤال هل نترك الغربة تُعلن نهاياتنا أم نجعل منها طريقًا آخر للبدء من جديد؟

☕ قهوتي- أحب-شربها باردة

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى