مقالات الرأي

ذكريات أبو هادي الوحيد في الوادي

فايف دبليوز سيرفس

بقلم/ عزمي علي بلة
(كاتب و روائي و قاص)
في الحملة التي تعودت القيام بها في كل عطلة نهاية أسبوع لاستكشاف ما كتب في وسائط الميديا حسب اهتماماتي أو حسب الأحداث من حولنا. وهذا رزق ثقافي ساقه الله لنا نتمنى دوما أن يحسن الناس آليات استخدامه؟
صادفني منشور يحكي قصة قصيرة جدا كتبت على شكل دعابة أو تهكم لم أتفحص بلد الكاتب فالمهم هي القصة.
تقول السردية أن رجلا ياباني ضاع في غابة كثيفة ولم يعد يعرف للخروج سبيلا. لم يكن يحمل معه سوى سكينا، وكان أن جادت قريحته بأن يقطع أسلاك الكهرباء بالسكين املأ في الخروج من ورطته عبر فريق الصيانة الذي سيأتي لإصلاح العطل الكهربائي. وقد كان حيث لم يستغرق الأمر سوى دقائق معدودات تم فيها إصلاح العطل وإنقاذ المواطن التائه في الغابة. ويعلق كاتب المنشور لو كان هذا الشخص من ربعنا لاستسلم لمصيره المحتوم واستخدم السكينة لينحت بها على جذع احدى الأشجار ذكري من أبو هادي الوحيد في الوادي.
هنا انتهى المنشور.
نعود للتأمل وقراءة ما بين السطور.
الذكاء وحسن التصرف ليس دوما عمليات إبداعية خارقة حتى نتهم أبو هادي بافتقارها. الأمر ببساطة في هذا الموقف هو عملية استخدام للذكاء العملي- practical intelligence والذي يعرف باستخدام الخبرة الحياتية والمعرفة المكتسبة من التجارب اليومية لاتخاذ قرارات وحل مشكلات حقيقية.
وينتج هذا النوع من الذكاء عبر عمليات صغيرة متكررة أو متعلمة أو ممارسة يومية ندركها ونقوم بها كمسلمات. يعني بالعربي كدا من واقعه وافتل له. فهذا الياباني يعرف بالتجربة والتكرار أن انقطاع التيار الكهربائي لدقيقه واحدة يجلب فريق الصيانة لإصلاح العطل. ويعرف كذلك أن فريق الصيانة عند وصوله سيحملونه معهم لإنقاذ حياته وتقديم كل العون المطلوب. هذه المسلمات هي التي دفعته لاختيار هذا التصرف. أما أبو هادي ربما لم يكن في مخيلته أن هذه الغابة يمكن أن يكون بها خط للكهرباء، فهو يعرف أن بعض القرى في بلده لا تصلها الكهرباء. ثم حتى لو افترض جدلا أن ما يراه هو خط كهرباء سيبقى السؤال الوجودي التالي هل سيهتم شخص ما بصيانة انقطاع التيار؟ أم سيظل أبو هادي شهور في غابته؟
ربما كان أبو هادي محقا في كتابة وصاياه على جذع شجرة لانعدام الأمل.
هي أشياء صغيرة تحدث الفرق

احمد يوسف التاي

منصة إخبارية سودانية تقدم الأخبار والتحليلات المتعمقة حول أبرز الأحداث المحلية والعالمية. تأسست بهدف توفير محتوى إخباري موثوق وموضوعي يلبي احتياجات القراء السودانيين في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى