
.
بقلم/ د. عبد الله احمد عبدالله
(مستشار قانوني )
لا شك الكل يعرف نشاة مليشيا الدعم السريع والأخطاء التي ارتكبتها حكومة الإنقاذ وكم أتى بعدها من السياسيين والتي أوصلت الدعم السريع لأن يصبح جيشاً يفوق الجيش القومي عدةً وعتاداً لدرجةٍ جعلته يطمع في حكم السودان.
نحمد الله الذي مكن الجيش من دحر هذه المليشيا من معظم الأراضي التي أحتلتها وعاثت فيها فساداً، لكن لا تزال هناك أجزاء عزيزة من هذا الوطن تعاني من وطأة هذه المليشيا عليها ولا يزال السودان عامة يعيش حالة من عدم الاستقرار حتى في المناطق التي هي خارج سيطرة المليشيا وذلك من خلال هجمات المسيرات التي تنفذها المليشيا من وقت لآخر.
عاني السودان من الحركات المسلحة منذ استقلاله، لكن تلك الحركات تختلف عن الدعم السريع في كونها تشكلت كحركات سياسية مسلحة تشكو من مظالم محددة.
الكل يعلم أن حكومة الإنقاذ أنشأت الدعم السريع كذراع مساعد للجيش لمحاربة حركات دار فور، لكن الإنقاذ وقعت في أخطاء فادحة أتاحت لقائد الدعم السريع الانفتاح على العالم الخارجي والحصول على المال والسلاح، كما أتاحت للدول الراغبة في التخلص من حكومة الإخوان المسلمين الفرصة لتصفية حساباتها معهم.
عندما ثار الشعب على حكومة الإنقاذ كان من أهم شعارات الثوار “الجيش للثكنات والجنجويد ينحل” خاصة بعد جريمة فض الاعتصام التي أزهقت فيها أرواح شباب بريئين كانوا يحلمون بمستقبل أفضل، لكن ما حدث من زواج مصلحة بين أحزاب الحرية والتغيير التي كانت تبحث عن ظهير عسكري والدعم السريع الذي كان يبحث عن حاضنة سياسية، زاد من قوة الدعم السريع وتوسع نفوذه وتمكنه من مفاصل الدولة، وبالطبع كل هذه الترتيبات كانت بدعم مباشر وتشجيع من الخارج.
بغض النظر عن من أطلق الطلقة الأولى لكن السلاح الذي جلبه الدعم السريع إلى العاصمة بما في ذلك المدرعات وكافة الاستعدادات التي قام بها خلال الفترة الانتقالية تؤكد لكل ذي بصيرة أن الحرب لا محالة قائمة.
الدعم السريع لم يكن حركة سياسية ولم تكن لديه مطالب سياسية بل هم عساكر متمردون، وهو يحاول الآن عبثاً ركوب موجة التهميش والإدعاء بأنه يحارب للدفاع عن حقوق المهمشين، ومن وجهة نظري ليس من حقه ولا ينبغي أن يسمح له بالعزف على وتر المهمشين والمظالم الإقليمية.
المليشيات شرٌ مطلق ولكي ينعم السودان بالاستقرار ويسعى إلى التطور والنمو لا بد من التخلص من المليشيات وعلى الأخص الدعم السريع الذي يجب أن تسخر كل الجهود للتخلص منه، ونرى أن ذلك يمكن أن يحدث من خلال اتباع التدابير التالية:
أولاً: لا بد من الاستمرار في الضغط العسكري وزيادة وتيرته.
ثانياً: يجب تجفيف مصادر العناصر البشرية داخل السودان من خلال تحييد الحواضن الاجتماعية للدعم السريع من خلال إقناعهم بأن الأماني والأحلام التي أغراهم بها الدعم السريع قد تبخرت وأنهم سيكونون الخاسر الأكبر كلما طال أمد الحرب، ويمكن أن يتم هذا الإقناع من خلال أبناء هذه الحواضن الذين لم ينحازوا إلى الدعم السريع.
ثالثاً: لا بد من تجريد الدعم السريع من الظهير السياسي المتمثل في أحزاب الحرية والتغيير وإقناعهم بالرجوع إلى الوطن وإتاحة الحرية لهم لطرح بضاعتهم على الشعب السوداني من خلال انتخابات حرة ونزيهة تقام في أقرب وقت ممكن.
رابعاً: لا مفر من الدخول في مفاوضات مع الدول الداعمة للمليشيا خاصة وأن هذه الدول قد استثمرت كثيراً في الدعم السريع ولم تجن إلا الحسرة، ومن وجهة نظري قد تكون مستعدة للخروج من هذا المأزق من خلال اتفاق يحفظ لها ماء وجهها بدل دفعها للاستمرار في دعم المليشيا.
خامساً: عرض العفو العام على كل من يلقي السلاح من جنود الدعم السريع والنظر في إمكانية إلحاق من يصلح منهم من السودانيين بالجيش وتسفير الأجانب إلى بلدانهم.
من وجهة نظري إذا طبقت هذه التدابير ستؤدي إلى إنهاء ظاهرة الدعم السريع إلى الأبد وفي وقتٍ وجيز نسبياً بإذن الله.
بعد الانتهاء من الدعم السريع لا بد من حل جميع المليشيات سلماً أو حرباً وهذا الأمر يتطلب تلبية المطالب المشروعة والمعقولة لهذه المليشيات وحسم كل من يتعنت أو يصر على التمسك بسلاحه.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
د. عبدالله أحمد عبدالله